أكتب إليك الآن لا بيدي، بل بقلبي الذي طالما انشغل عنك، لا غفلةً ولا نسيانًا، بل لأنني كنت ألهث خلف ما أيقنتُ أنه الواجب الأكبر… أُطارد قضايا الناس، وأحمل همّ الوطن.
واليوم، وأنا أراك واقفًا بثوب التخرّج، في ساحةٍ أعرفها وأحبها، تعلوك الهيبة، وتضيء عيناك ببريق الحلم، شعرتُ كأن الزمان يعيد نفسه، كأنني أراك تمشي على ذات الأرض التي مشيتُ عليها قبل ثلاثين عامًا، بين جدران جامعة العلوم التطبيقية، تلك الجامعة التي احتضنتني شابًا في أول الطريق، وها هي اليوم تحتضنك، وتزفك خريجًا من كلية الحقوق.
يا بُني…
سامحني إن كنت قد قصّرت، وإن غاب حضوري عن تفاصيلك الصغيرة، وإن لم أكن هناك حين احتجتَ كلمة، أو سندًا، أو حتى عناقًا... لكنك كنت هناك، دائمًا، تكبر بصمت، وتنجح بصبر.
أنا اليوم فخور بك، فخور بقدر ما أنا نادم على كل لحظة كنتُ فيها بعيدًا… ولكن ما يثلج صدري أنك كنت تنمو في صمتك، وتُحضّر لهذا اليوم الذي يُعيدني إليك، ويعيدني إلى الجامعة التي منحتني البداية، وها هي تمنحك الآن الانطلاقة.
اليوم يا ابني، أنت لست فقط خريجًا يحمل شهادة… بل أنت شهادة عليّ أنا، بأنني رغم انشغالي، رزقني الله ابنًا يرفع الرأس، ويُضيء الطريق، ويُكمل ما بدأته، وربما يتجاوزه يومًا، فأفرح.
مبارك لك تخرجك يا قطعة من قلبي…